Skip to main content
تاريخ الحزب

تاريخ الحزب

بداية النضال الكتائبي

تأسس حزب الكتائب اللبنانيّة خريف العام 1936 خلال حقبة الانتداب الفرنسيّ على لبنان، قبل الحرب العالميّة الثّانية، في مرحلة سياسيّة اتّسمت بتصاعد الحديث عن حتميّة الاستقلال عن الانتداب الفرنسيّ، بحيث انخرطت قطاعات واسعة من الشّعب اللبنانيّ في هذه المعركة ووضع الأسس التي تحدّد ماهيّة هذا اللّبنان الجديد الذي سينشأ. وبهذا المعنى يمكن القول أن حزب الكتائب كان أحد تجلّيات هذه الحركة الاستقلاليّة اللبنانيّة حين انكبّت مجموعة من النّاشطين اللبنانييّن الشباب، ومنهم خصوصاً بيار الجميّل، جورج نقاش، شارل حلو (الرئيس اللاحق للجمهوريّة اللبنانيّة)، أميل يارد وشفيق ناصيف على تأسيس حزب طليعيّ يحفظ هذا الوطن ويحميه.

نهض حزب الكتائب بدور رئيسي في انتزاع الاستقلال للبنان من الانتداب الفرنسيّ خلال العام 1943. وخاض الكتائبيّون في تلك المرحلة نضالاً اجتماعياً لترسيخ مفاهيم التضامن الوطنيّ وتعزيز الحريّات الفرديّة والعدالة الاجتماعيّة، وكان للكتائب شرف المبادرة الرائدة الى إطلاق "شرعة العمل" العام 1937 والتي طالبت بوضع حدّ أدنى للأجور، وتحديد ساعات العمل والإجازات المدفوعة. وكان للكتائب الدّور الطليعيّ بين مختلف الأحزاب اللبنانيّة في اعتماد برنامج اقتصاديّ وإطلاق حركة اجتماعيّة نشطة في مختلف أرجاء لبنان. وشهد العام 1941 إطلاق أوّل فرع نسائيّ للكتائب وكان الأول بين كلّ الاحزاب اللبنانيّة، حيث طالب الكتائب بوقف كلّ أشكال التّمييز ضدّ المرأة، كما أصدر جريدة "العمل" اليوميّة السياسيّة التي كانت باللّغتين العربيّة والفرنسيّة. 

 

دخول الميدان السياسي  

دخل الكتائب الى المشهد البرلمانيّ مع نهاية الأربعينات، بعد مرحلة امتنع فيها الحزب عن دخول الحياة السياسيّة ليصبّ جهده على التّرويج لافكاره الديموقراطيّة الاجتماعيّة والدّفاع عن القضيّة اللبنانيّة بين الشّباب بعيداً عن الفوضى التي شابت الحياة السياسيّة عقب مرحلة الانتداب. ناضل حزب الكتائب في الدّفاع عن استقلال لبنان في مواجهة أطماع جيرانه المتزايدة في السّيطرة عليه وابتلاعه وتذويبه، وسعى الكتائب إلى تنفيذ أهدافه من خلال الانتشار على كافة الأراضي اللّبنانية حيث استقطب الآلاف من الأعضاء الجدد، ما جعله أحد أكبر الاحزاب في منطقة الشّرق الاوسط. ولعب التّنظيم الحديث الذي امتازت به الإدارة الحزبيّة الكتائبيّة دوراً كبيراً في تعزيز ثقة الرأي العامّ اللبنانيّ بهذا الحزب. وما إن اندلعت أحداث 1958 بتحريض من الجمهوريّة العربيّة المتّحدة ورئيسها جمال عبد الناصر، بهدف ضمّ لبنان الى هذا الاتّحاد رغماً عن رفض قسم كبير من أبنائه لهذا الامر، حتى نزل الكتائبيّون الى ساحة المواجهة للتصدّي لهذا الامر وسقط للحزب شهداء وجرحى دفاعاً عن سيادة لبنان واستقلاله وحريّته.

بناء الدولة وحماية الكيان 

أدّى الدور الذي نهض به حزب الكتائب خلال أحداث 1958 الى تسليط الضوء عليه، وتحوّل الى مركز استقطاب للرأي العامّ حيث ارتفع عدد أعضائه ليصل إلى 70 ألف عضو في بلد لا يتجاوز عدد سكانّه 2,2 مليون نسمة آنذاك. وتمكّن الكتائب تالياً من الفوز بمقاعد نيابيّة عدّة، الأمر الذي أهّله ليصبح الفريق المسيحيّ الأساسيّ في الحكومات المتعاقبة. وتمكّن وزراء الكتائب خلال ولايتهم من تحقيق إنجازات عدّة لا تزال ماثلة في مؤسّسات الدولة اللبنانيّة أبرزها إقرار إلزاميّة التّعليم الابتدائيّ، وتطوير البنى التحتيّة للمدرسة الرّسميّة في كلّ أرجاء لبنان. أما على المستوى الاجتماعيّ – الاقتصاديّ فقد تمكّن وزراء الكتائب من إقرار قانون العمل وساهموا بشكل فاعل في دفع قانون الضّمان الاجتماعيّ. كما كان لوزراء الكتائب الدّور الرئيسيّ في تطوير إدارات الدّولة وتحديثها مثل مجلس الخدمة المدنيّة والتّفتيش المركزيّ إضافة الى جملة من المؤسّسات العامّة الأخرى. وكان لرئيس الكتائب ومؤسّسها الشّيخ بيار الجميّل ومن خلال موقعه كوزير للأشغال العامّة الدّور الكبير والحاسم في إقامة البنية التحتيّة للبنان من خلال إنجاز 440 مشروع تنمية خلال ولايته. وتحوّل لبنان بفعل هذه الجهود الكبيرة الى مقصد للسّياحة العالميّة وبلغ ذروة نموّه وازدهاره. لكن لبنان المزدهر الذي سميّ "سويسرا الشّرق" كان يعاني من تبعات الصّراع العربيّ – الاسرائيليّ ووجود الآلاف من اللاّجئين الفلسطينييّن على أرضه ما حمل آنذاك الكثير من علامات الشؤم لما ينتظر هذا الوطن.

 

شهداء على مذبح الوطن 

حاولت منظّمة التّحرير الفلسطينيّة مطلع سبعينات القرن الفائت السّيطرة على لبنان وإقامة ما اصطلح على تسميته "الوطن البديل". وأدّت هذه المحاولة الى انهيار مؤسسات الدّولة والجيش وتحوّل الأراضي اللبنانية إلى ساحة للقتال بين اللبنانييذن المدافعين عن أرضهم وبيوتهم ودولتهم وحريّتهم والتّنظيمات الفلطسينيّة المسلّحة ومن وقف الى جانبهم من اللّبنانييّن. وانخرطت عدّة دول أجنبيّة وعربيّة في هذا الصراع بأوجه عدّة لا سيّما العسكريّة منها، خصوصاً سوريا التي تملك أطماعاً تاريخيّة في جارها لبنان. وتمكّنت سوريا تحت راية التضامن العربيّ من الدّخول الى لبنان حيث سعت الى إحكام سيطرتها ونفوذها السياسيّ عليه، في موازاة إسرائيل الجار اللّدود للبنان والتي غزت الجنوب العام 1978 وعاثت فيه تدميراً تحت عنوان إبعاد المنظّمات الفلطسينيّة المسلّحة عن حدودها. تصدى حزب الكتائب اللبنانيّة وأحزاب لبنانيّة حليفة له للهجمة الفلطسينيّة على لبنان الدّولة والشعب، وتشكّلت من رحم هذا التحالف ما عرف بـ "المقاومة اللبنانيّة" التي قاتلت في كل أنحاء لبنان دفاعاً عن السّيادة والاستقلال ووحدة الوطن وحريّة شعبه. وسقط للكتائب في مرحلة المقاومة والّدفاع عن الحريّات والوجود المسيحي الحرّ أكثر من 4000 شهيد على مختلف الجبهات. وخلال هذه الحرب تمكّن الكتائب من إيصال رئيسين للجمهورية الى رئاسة الجمهوريّة . وخلال العام 1982 انتخب الرّئيس بشير الجميّل قائد المقاومة اللّبنانية والإبن الأصغر لرئيس الكتائب بيار الجميّل رئيساً للجمهوريّة لكنه اغتيل بتفجير عبوة ناسفة زرعت في بيت الكتائب في الأشرفية الواقعة في بيروت، بواسطة أحد أعضاء الحزب السوري القومي الاجتماعي. وعقب استشهاد الرئيس بشير الجميّل أجمعت كلمة مجلس النواب على انتخاب شقيقه الرئيس أمين الجميّل رئيساً للجمهوريّة.

 

الرهان الكبير 

تمكّن الرئيس أمين الجميّل رغم الحرب الأهليّة المدمّرة التي تعصف بالبلاد والانقسامات التي شرذمت الكيان، من تحقيق انجازات عدّة أهمّها إعادة بناء مؤسّسات الدّولة وإعادة تأهيل وتنظيم الجيش اللبنانيّ استعداداً لاستعادة السّيادة والاستقلال على كامل الأراضي اللبنانيّة وفرض سلطة القانون. وأثمرت الجهود من أجل تحرير كامل التراب الوطنيّ اللبنانيّ من الاحتلال السوريّ عن التوصّل الى اتفاق 17 أيار 1983 ، والذي كان شبيهاً الى حدٍّ ما باتفاقية الهدنة الموقّعة بين لبنان والعدوّ الاسرائيليّ العام 1949، لكن هذه الاتفاقيّة لم يعمل بها بسبب معارضة سوريا أوّلاً ومن ثمّ اسرائيل. دعا الرئيس أمين الجميّل الى إطلاق مؤتمر الحوار الوطنيّ في العاصمة السويسريّة جنيف ولوزان وتوصل الى إجماع لدى كل الاطراف على تشكيل حكومة وحدة وطنيّة تمثّل كل الاطراف. كما أعاد الجميّل إطلاق الجامعة اللبنانيّة كصرح تربويّ جامع للبنانيّين وأرسى الأسس الصّلبة لها كمؤسّسة حديثة، وأدخل إصلاحات إقتصاديّة عدّة وغامر ببدء ورشة إعمار محدودة في وسط بيروت المدمّر. لم تفلح جهود الرئيس أمين الجميّل الجبارة في التعامل مع الاوضاع المضطربة بفعل التّدخل المباشر لكلّ من سوريا واسرائيل في الشؤون اللبنانيّة وتأثيرهما المتزايد على أوضاعه، أما حزب الكتائب فقد عانى من خسارة رمزه التاريخيّ الرئيس المؤسّس الشيخ بيار الجميّل العام 1984

 

"بيار حيّ فينا" 

 وصلت الحرب اللبنانية الى نهايتها خلال العام 1990 بعدما اجتاحت القوات السوريّة المناطق المسيحيّة الشرقيّة التي كانت تواجهها وتمنع سيطرتها الكاملة على لبنان. وتمكّن النظام السوري عقب 13 تشرين الاول 1990 من احتلال لبنان وفرض سياسته وإرادته على اللّبنانيين بقوة القمع والارهاب طيلة 15 عاماً. أمّا الرئيس أمين الجميّل فقد غادر إلى المنفى ليقع حزب الكتائب تحت التأثير السوري المباشر بفعل اغتيال كوادره واعتقالهم وارهابهم بطرق مختلفة وذلك انطلاقاً من خشية النظام السوري الأمني من أي مؤسّسة حزبيّة نظاميّة قادرة على التأثير على احتلالهم ونفوذهم على لبنان. وأدّى ذلك إلى قمع الأحزاب المسيحيّة بعنف، الأمر الذي أدّى إلى أن تدفع هذه الاحزاب الثّمن الأكبر نتيجة مقاومتها للهيمنة السوريّة وخصوصاً لجهة نفي قادة هذه الاحزاب أو اعتقالهم والزّج بهم في السّجون. لم يتمكن النّظام الأمني السوري من القضاء على روح المقاومة لدى الكتائبيّين الذين استمرّ نبض المقاومة يسري في عروقهم، واعتباراً من منتصف التسعينات عادت المقاومة الكتائبيّة لتظهر علناً رغم القمع، من خلال الحركة الطالبيّة التي انتشرت في الجامعات والمدراس والمعاهد والتي قادت مقاومة حضاريّة سلميّة في مواجهة قمع النّظام السوري وعملائه.

عاد الرئيس أمين الجميّل إلى لبنان في حزيران 2000 متحدياً الاحتلال السوري، واستقبلته في بلدته بكفيا حشود كبيرة من الكتائبيّين، ولم يمرّ وقت طويل حتى انتخب بيار أمين الجميّل نائباً عن منطقة المتن، ما أعطى إشارة مدويّة على عودة الكتائب وانطلاقتها الجديدة. وسرعان من انتظمت المقاومة الكتائبيّة الملتفّة حول الرئيس أمين الجميّل تحت عنوان "المعارضة الكتائبيّة" التي لعبت دوراً رئيساً في تأسيس "لقاء قرنة شهوان" ولاحقاً في "لقاء البريستول" الذي شكّل منبراً متقدماً للمعارضة المسيحية – الإسلاميّة في نضالها ضدّ الهيمنة السوريّة على لبنان. وأدّت هذه التحرّكات مجتمعة إلى "انتفاضة الاستقلال" في شباط 2005، ولاحقاً الى "انتفاضة الأرز" في 14 آذار 2005 عندما نزل أكثر من مليون لبنانيّ الى شوارع بيروت للمطالبة بانسحاب جيش الاحتلال السوريّ واستعادة السّيادة والاستقلال. ونهضت المعارضة الكتائبيّة بدور رئيسيّ في "انتفاضة الأرز" وتولّى النائب بيار أمين الجميّل دوراً رئيسياً في قيادة الانتفاضة التى أدّت الى الاستقلال الثّاني في لبنان. جَلَت قوّات الاحتلال السّوري عن لبنان في 26 نيسان 2005، وتحقّق في ذلك العام المصالحة الكتائبية وعادت الكتائب لتمارس دورها التاريخيّ مع زوال الاحتلال السّوري الذي كان يقمعها ويضطّهدها. قام النائب والوزير بيار أمين الجميّل بدور كبير في توحيد الكتائب وانطلاقتها الثانية خلال العام 2006، لكن أعداء لبنان والكتائب لم يستطيعوا تحمل عودة الرّوح الى الكتائب، التي كانت دائماً في طليعة المناضلين والمدافعين عن سيادة لبنان واستقلاله. وهكذا استشهد بيار أمين الجميّل برصاصات جبانة صبيحة 21 تشرين الثاني 2006، ولم يمرّ وقت طويل حتى اغتالت أيادي الحقد النائب الكتائبيّ أنطوان غانم بسيارة مفخّخة.